روايتي كادت تصل إلى قائمة البوكر

لدى وصولك إلى مدينة، أولًا وقبل كل شيء 📸

لأول مرة أكتب تدوينة في تطبيق نوتس على الآيفون، والسبب أني الآن في المطار في انتظار موعد الدخول للطائرة بعد ساعة، ولا أود الصراحة كسر روتين إصدار النشرة نهار السبت بحجة السفر إلى دبي وتقديم ورشة عن صناعة النشرات البريدية الشخصية.

وعلى سيرة دبي…

في يناير 2023 كادت روايتي «لن تجد الشمس في غرفة مغلقة» تصل إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر. «كادت» لأن حسب علمي وصلت الرواية طاولة النقاش الأخير، وخسرت التصويت النهائي بعد قضائي عامين في انتظار تلك اللحظة. فكلا الناشرين الذين عرضت عليهما الرواية، أبلغاني بأنهما سيرشحانها لجائزة البوكر، وأن لديها فرصة جيدة جدًا.

وإلى اليوم، لدي قناعة راسخة أساسها ضعيفٌ للغاية، بأن قرار تأجيل النشر أشهر معدودة، إلى ما بعد يونيو 2021 باقتراح من الناشر، على الأغلب هو ما كلفني الصوت المرجّح، أو هذا ما أود اعتقاده. إذ لا أنفك أتخيل، بيني وبين نفسي، أني لو ثبت على قرار النشر قبل يونيو، لتأهلت روايتي للترشح في العام الأسبق. فحظوظي بميل كفة الترشيح إليّ أعلى مع وجود الشاعرة سعدية المفرح عضوةً في اللجنة؛ فهي من الكويت، وتفهم سياق الرواية أفضل من أعضاء اللجنة اللاحقة.

ربما…

المهم، بعد أيام قليلة من الإعلان تواصلت معي على الواتساب ممثلة عن الجائزة برسالة تشجيع متمنيةً لي حظًّا أوفر مع الرواية القادمة، مرفقة بعرض قد يعوّض هذه الخيبة. والعرض يتضمن أمرين:

  • أن أتولى إدارة حوار مع اللجنة ورئيسها مساء إعلان القائمة القصيرة في الكويت، على ما يبدو في عرفٍ جديد تود مؤسسة الجائزة تجربته.

  • أن ألتحق بورشة كتابة الرواية التي تعقدها مؤسسة الجائزة سنويًّا.

المضحك المبكي في الموضوع، أني ما أن بدأت قراءة رسالة الواتساب وتعريف المرسِل، ظننت لوهلة أن ربما الجائزة تود إعلامي أن اسمي سقط سهوًا عن القائمة! فورة الأمل المستحيل وموته السريع لن أنساها طيلة حياتي (😭 🎻)، لكن الموت السريع لم يمنعني من اقتناص فرصة الجائزة التعويضية بالبروز في هذا الحدث، حتى إن كان في الهامش.

لكن ما لم أدركه حين وافقت فورًا بمنتهى الابتهاج والامتنان، أن عليَّ في ثلاثة أسابيع ونصف قراءة كل روايات القائمة الطويلة، لأن بطبيعة الحال لن أعرف روايات القائمة القصيرة إلا قبل اللقاء بساعات، ويفترض بالأسئلة أن تتمحور حولها وحول أسباب اختيار اللجنة لها.

وهكذا كان…

عشت أسوأ تجربة قراءة في حياتي بأسرها (😭🎻). أغلب الروايات لم أستمتع بقراءتها وما كنت لأختار قراءتها بإرادتي الحرة؛ روايتان انقرفت منهما بمعنى الكلمة. لكن الأسوأ، أني وجدت نفسي أقرأ كل الروايات التي ارتأت اللجنة أنها أفضل من روايتي! صوت تهشُّم أناي الزجاجية مع قلب غلاف كل رواية جديدة لا يزال يطاردني كلما فتحت رواية عربية بنيّة قراءتها. (😭🎻)

وبعد كل هذا العذاب…

قبل موعد الإعلان المرتقب بأيام، جاءتني رسالة اعتذار بأن الإعلان في الكويت تعذَّر لأسباب إجرائية، والتعويض المعنوي الذي أملته سقط سهوًا! (اعتذرتُ لاحقًا عن السفر لإدارة الحوار ليلة إعلان الجائزة بسبب "وعكة صحية" أقعدتني صدقًا حبيسة غرفتي وفراشي فترات طويلة متفرقة من ذاك العام.)

ولن أكذب عليك… في فورة غضبي ألقيت روايات القائمة الطويلة فورًا في صندوق المهملات الأخضر عند باب البيت، بعدها هرعت ثائرة إلى محترف الكتابة وانتزعت عن الحائط جدول كتابة روايتي، حيث دونت على مر سنوات، بكل حب، كل ما تعلَّق بها من أحداث وتطورات العمل بالتاريخ والساعة وملخص المحادثات مع الناشريْن، مزقتها إربًا وألحقتها بالروايات المرمية.

التجربة مضحكة إذا التفتُّ خلفًا إليها، وحين أسردها شفهيًا في جلسة (كما فعلت في جلسة مع الناشر الآخر حين زارني في فندق الشارقة حيث حضرت الورشة، وبعدها بعام في حلقة بودكاست تجريبي في أبو ظبي) ستنبهر بضحكي وقهقهاتي تجلجل الأجواء.

لكن خلف نوبة الضحك على نفسي وإضحاك الآخرين عليّ، أعلم يقينًا بارتكابي خطأين فادحين:

الخطأ الأول قبولي تأجيل النشر والترشح للعام الذي يليه؛ ليس بسبب النتيجة، على الأغلب ما كنت سأصل أيضًا، بل لأني سمحت للطابع الطفولي فيَّ بإرضاء الآخرين - بأن أكون البنت الشاطرة المطيعة وألا أكون الكاتب / الطفل "المشكلجي" - بأن يغلب عليّ في قرار مهم للغاية يخص روايتي وحياتي ويخالف حدسي. والخطأ الآخر قبولي بهذا التعويض (إدارة الحوار أعني) الذي وضعني في حال استياء مستمر من نفسي بدل تجاوز لحظة الخيبة والاقتناع بموت الأمل السريع يوم إعلان القائمة. أملي بأن أخرج ولو بالفتات من هذا الانتظار العقيم لعامين كان أملًا مهينًا، وفي النهاية لم أخرج إلا بتعميق إحساسي بالخيبة والإهانة التي أشعر بألمها مع كل إعلان سنوي عن القائمة الطويلة (😭🎻).

الابنة الصالحة تخسر البوكر أمام سلمان رشدي

غلاف طبعة الرواية الصادرة في مايو عام 2021
غلاف طبعة الرواية الصادرة في مايو عام 2021

(هذه الفقرة كُتبَت وأنا محشورة في الطائرة، في المقعد الوسطاني بين بلوغر أمريكية بيضاء متطلبة ومزعجة على يميني وشاب هندي نباتي متجهم ومحترم على يساري.)

"اللحظة المناسبة" هي عضو لجنة التحكيم الخفي الذي قد يقرر فوز رواية من عدمها بجائزة أدبية، ولا يد للروائي ولا للناشر في توقّع حكمها مهما حاولا اقتناص رضاها. هذا ما قرأته في مقدمة طبعة جديدة من رواية «الابنة الصالحة» (Good Behaviour) للروائية الإيرلندية مولي كين. أعارتني أختي ديمة الرواية في 2023، بعدما نالت الرواية شهرة جديدة في عام كورونا، وصعدت مبيعاتها صعودًا مفاجئًا بعد سبات طويل.

الرواية صدرت عام 1981 بعدما بلغت مولي كين من العمر ثمانين عامًا، عن ابنة صالحة ترتكب فجأة جريمة قتل. عرضت كين الرواية على ناشرها الذي تعاونت معه خمسين عامًا، لكنه رفضها رفضًا قاطعًا وذلك لصراحتها النفسية المرعبة وافتقارها إلى اللطف المعهود في سرديتها، فتركتها كين في الأدراج أعوامًا طويلة قبل اتخاذ قرار نشرها. وما أن نشرتها أخيرًا، حظت بأصداء نقدية قوية وتوقعات عالية بفوزها بجائزة البوكر.

وبالفعل وصلت رواية كين القائمة الطويلة، ومن بعدها القصيرة، لكن على طاولة النقاش الأخير رجَّحت اللجنة كفة الروائي الشاب حينها سلمان رشدي وروايته «أطفال منتصف الليل»، لأنها مثلت بداية عصر جديد للرواية التي تفكك السردية الاستعمارية، مقابل رواية امرأة بيضاء مسنة من الزمن الأوربي الاستعماري العتيق.

ولأنها في الثمانين، أدركت كين أن هذه كانت فرصتها الأخيرة، ولم تُخفِ خيبة أملها العميقة من تأجيل نشر الرواية، وقرار «اللحظة المناسبة» حرمانها من الجائزة.

ملاحظة جانبية: لم أقرأ من الرواية سوى مقدمة آمي جنتري، لأني ما عدت أهوى كثيرًا قراءة الروايات. (لاحظ أني من بعد تجربة البوكر، لم أترجم أي رواية 😭🎻 .)

قبل ما أودعك

فيلم أوصيك تشوفه 💔🐶

انعكاس صورتي على مرآة غرفة الفندق حيث أكملت كتابة عدد اليوم
انعكاس صورتي على مرآة غرفة الفندق حيث أكملت كتابة عدد اليوم

هنا أودعك بكل الحب، من غرفة فندق جميلة، وأستحضر هذا النص من هيرفي غيبير الذي قرأته ذات صباحٍ شعري

لدى وصولك إلى مدينة، أولًا وقبل كل شيء، صوِّر غرفة الفندق، وكأنما تعلِّم ملكيّتك عليها. وصوِّر انعكاسك على المرآة وكأنما تعلِّم انتماءك المؤقت إليها.

كأنما الصورة تهوِّن عليك خسارتك.

شهادةٌ حيَّة على حضورك.

عصر النضوج
عصر النضوج
كل يوم سبت

تأملات ذاتية في القراءة والكتابة والترجمة، وفي محاولات النضوج بعد سن الأربعين.