لا فخر اليوم للمترجمة 🪶

كم طلعة مشيت على شارع الأميرات 👸🏻

وأخيرًا انتهى يوم الخميس، وها أنا أوشك على الخلود للنوم (بعرف إنها مفروض إخلاد وليست خلود لكن لا أطيق إخلاد لذا سأكتب خلود🤷🏻‍♀️) وإذ أرتكب الخطأ القاتل بحمل الأيفون عن المنضدة الجانبية وتصفح تويتر، لأصادف تغريدة طويلة بعنوان «في صحبة مارغريت آتوود»، وقرأتها.

كان واضحًا حرص الكاتب على ذكر مترجم كل رواية لآتوود أشار إليها في تغريدته من باب الأمانة الأدبية، حتى في حال ترجمتها مرتين، كما الحال مع «حكاية الجارية»، إذ ذكر المترجم الأول (عبدالحميد فهمي) والمترجم الثاني (أحمد العلي). لكن حين أشار إلى «السفاح الأعمى» التي نالت بها آتوود البوكر الأولى، ذكر فقط المترجمة التي ترجمتها أول مرة وتحت عنوان «القاتل الأعمى» (عزة مازن)، ولم يذكر اسمي بصفتي المترجمة الثانية. فقلت في نفسي، أكيد وقع سهوًا.

لكن حين وصلنا إلى رواية «العهود» التي نالت بها آتوود البوكر الثانية، لم يذكر اسمي أيضًا بصفتي المترجمة، لذا شككت أنَّ الموضوع شخصي! اطَّلعت على بايو الكاتب لأجد أنه يتابعني، ووجدت أيضًا أني لا أتابعه، أي لم أردّ تحية المتابعة، فربما هذا السبب وراء إسقاطه اسمي مثلما يسقط أحدهم ذبابة ميتة عن الطاولة، في الوقت الذي حرص فيه على ذكر الآخرين. (ظهور تغريدته على التايم لا ين لديّ بسبب متابعتي طالب الرفاعي الذي أعاد نشر تغريدته.)

أنا سعيدة أني أكتب إليك الآن بمشاعر الإيغو المجروح، الحسَّاس حبتين (أو ثلاث حبات) زيادة عن اللزوم. صدقني هذه دلالة جيدة. لأنَّ ردة فعلي البارحة ما أن وضعت الأيفون على المنضدة لم يكن الغضب أو الحنق ولا حتى الزعل، بل الغرق، الاستسلام التام، إحساس غريب من الإنهاك لم يسبق أن شعرت به، صاحبه ضيق التنفس الذي أعانيه منذ عشرة أيام، إلى حد قلت فيه لقطِّي دعبول، الرابض على المنضدة في انتظاري أخلد إلى الفراش كي يستهل حفلة مواء القلب المفطور:

«الحين عرفت ليش الناس تنتحر».

دعبول، بنظرته اللوامة، يذكرني أني لم أفرغ شنطة سفري حتى الآن!
دعبول، بنظرته اللوامة، يذكرني أني لم أفرغ شنطة سفري حتى الآن!

ترجموا عن الترجمة لا عن النص الأصلي!

قرأت الأسبوع مقالة (Translation's Drift) للكاتب وأستاذ الفلسفة كوامي أنتوني أبيا، وهي مراجعة لكتابين عن الترجمة: كتاب (The Philosophy of Translation) للمترجم داميون سيرلز، وكتاب (Speaking in Tongues) للروائي الحائز على جائز نوبل جي إم كوتزي والروائية والمترجمة الأرجنتينية ماريانا ديموبولوس. يهمني هنا الكتاب الثاني، فالأول اقتنيته منذ فترة ولم يتسنَّ لي الوقت لإكمال قراءته.

في (Speaking in Tongues) يتحاور الروائي مع مترجمة مجموعته القصصية (The Pole) إلى الإسبانية، ومنطلق هذا الحوار كما كتب كوامي:

«ماذا يحدث عندما لا ننظر إلى الترجمة كفعل إدراكي فردي، بل كعملية تفاوض تتشكل بفعل القيود المؤسسية المفروضة من الخارج، أو حتى بعلاقات القوى العالمية غير المتكافئة؟» (ترجمة تشات جي بي تي)

عدة أمور لفتت انتباهي في حديث كوامي عن الكتاب، ودفعتني إلى شرائه. لكن النقطة الأهم هي قرار جي إم كورتيزي نشر الترجمة الإسبانية عن مجموعته أولًا قبل نشرها بلغتها الأصلية الإنجليزية بفارق عام (الترجمة نشرت عام 2022، النسخة الأصلية عام 2023)، لتصبح الترجمة بذلك هي الأصل. بل طلب كورتيزي من دور النشر حول العالم أن تترجم عن الترجمة الإسبانية لا عن النص الذي كتبه باللغة الإنجليزية، وبالطبع دور النشر كلها رفضت.

في محاولته هذه، رفض كورتيزي أن تحمل الترجمة «صفة الدرجة الثانية»، وأراد من ظهور نصه تاليًا لظهور الترجمة بأن ينال الروائي المديح الذي يناله المترجم المبدع:

«الإخلاص للنص الأصلي.»


جبرا وأغاثا كريستي

أقرأ هذه الأيام، قبل النوم، الرواية السيريَّة «شارع الأميرات» لجبرا إبراهيم جبرا. أعترف أنَّ روايته السيرية السابقة «البئر الأولى» عن طفولته في فلسطين أكثر حميمية وأعمق أثرًا، لكن هذا لا ينفي استمتاعي بأيام جبرا ما بين إنجلترا والعراق، وهو رجلٌ بالغ عاشق للشعر وشكسبير والنساء اليافعات الإنجليزيات.

إلى الآن، فصلي المفضَّل هو «حكايتي مع أغاثا كريستي»، لن أسرد عليك قصته معها هنا، فهذه القصة تصلح للسرد الشفهي، لكن الختام مضحك ومرير.

في لقائه بها في بغداد بعد سنوات من تعارفهما، وقد بلغت السبعين، سأل جبرا أغاثا كريستي «كم رواية كتبتِ حتى الآن؟» فأجابت بأنها ليست متأكدة، ما بين ست وخمسين واثنين وستين رواية، لتسأله بدورها بمكرٍ لطيف: «وأنت، كم كتابًا حتى الآن؟» ليقول جبرا هنا:

«هززتُ رأسي ضاحكًا، ولم أجب.

كنت في الواقع قد أصدرتُ حتى ذلك التاريخ ثمانية كتب، بين موضوع ومترجم، ولكن عندما يتحدث المرء إلى كاتبة ما عادت تحصي كتبها بعد الرقم الخمسين، يكون الصمت على القليل الذي أنجزه المرء فضيلة لا بد منها.»


بوك مارك إيطالي 🤩

أخي الأكبر وصل اليوم بالسلامة من رحلته إلى إيطاليا، ومن عاداته الجميلة الحنونة أن يحضر إليّ مجموعة بوك ماركس ودفاتر من البلد التي يسافر إليها.

حبيت بالذات بوك مارك مصنوع من الجلد، ضمن مجموعة بوك ماركس تصوّر أشهر الشخصيات التاريخية الإيطالية على صورة قطط. 😻


رفقتي الموسيقية الأيام الماضية 💙

مرَّ علىَّ منشور في فيسبوك للأسف لم أحفظه ولا أتذكر اسم كاتبه، كان منشورًا جميلًا تحدث فيه الكاتب عن مشاعره تجاه هذه الأغنية التي لا تقول فيها فيروز سوى «يا ليلي ليلي يا ليل». أحببت جزئية حديثه عن تفاعل الجمهور مع الأغنية، القريبة من عوالم الجاز. وصحيح، ما أن تسمع الأغنية يصعب عليك تخيُّلها دون هذا التفاعل ركنًا أساسيًّا من أركانها.

وقبل أن أودعك بكل الحب ❤️

أشاركك ختامًا ملهمًا في فصل «شارع الأميرات»، خصوصًا إن كنت من المشَّائين، حيث يقول جبرا:

في يومٍ مضى كنت أتساءل، كلما فرغت من تهيئة كتابٍ جديد: كم فنجانًا من القهوة شربت على هذا الكتاب؟ وكم غليونًا دخنت، وكم اسطوانة وشريطًا من الموسيقى سمعت؟

وفي السنوات الأخيرة أدركت أنَّ عليّ أيضًا أن أتساءل: وكم كيلو مترًا في كم طلعة وطلعة مشيت في شارع الأميرات لكي أكتب ما كتبت؟

عصر النضوج
عصر النضوج
كل يوم سبت

تأملات ذاتية في القراءة والكتابة والترجمة، وفي محاولات النضوج بعد سن الأربعين.